المرأة تتغلغل في خلايا الرجل .. يلح وجهها على فؤاده .. هنالك دائماً علاقة انسانية عظيمة بينهما .. المرأة اماً .. المرأة زوجاً .. المرأة اختاً .. المرأة صديقة وزميلة.
قال معاوية لصعصعة الذي جاء يخطب بنتاً له «يا صعصعة انك اتيتني تشتري كبدي».
وقد قال الحجاج في وصف افضل النساء .. وهو يخطب لابنه عبد الملك «امرأة جميلة من بعيد مليحة من قريب .. شريفة في قومها ذليلة في نفسها .. مؤانسة لزوجها .. اذا قالت صدقت .. واذا صنعت جودت .. الودود .. الولود .. وكل امرها محمود».
لقد كان افلاطون يرى ان «كيوبيد» هو ألصق الآلهة الاغريقية بانسان اثينا .. وذلك لانه يري الحب بين الرجل والمرأة حكم ابدي .. وفي اساطيره الاغريقية يقول : لقد غضب الاله زيوس الاكبر على الانسان فشطره قسمين .. ذكر وانثي وقد حكم ان يظل كل منهما، الرجل والمرأة محتاجاً الى نصفه الاصلي.
* ما هو منظورك للحب .. هل ثمة تطور في مفهوم الحب في ما مضي والحب في الزمن الحاضر .. وهل للجغرافيا دور في هذا الخصوص .. اعني اذا كان للحب العربي ما يميزه من حيث النكهة والعذاب عن صنوه الباريسي؟.
قال نزار قباني يوماً :
الحب في الارض بعض من تخيلنا
لو لم نجده عليها لاخترعناه
الى هذا الحد كانت حاجة الناس - كل الناس - للحب «فلولا المحبة في جوانبه ما كان الانسان انساناً» لقد ولد الانسان محتاجاً للحب .. للحنان للنبضات الدافئة التى تطرح العافية في الفؤاد.
وفي اثينا جعلوا للحب إلهاً فكان «كيوبيد» اقدم آلهة الاغريق.
وقد تحدث جوركي عن حاجة الانسان الدائمة للحب .. فبطلة قصته الشهيرة «عشيقها» لما لم تجد الحب اخترعته .. بدأ حبهما وهماً .. وصفت لنفسها عشيقاً من الخيال .. وفي النهاية اصبحت متأكدة من وجوده .. تفكر فيه وتقلق عليه .. فاصبحت حياتها اسهل واسعد .. بطلة جوركي هذه تعبير عن حاجة الانسان الماسة والملحة للحب.
وايمرسون يقول :«ان كل المتع الاخرى لا تستحق آلامها إلا الحب .. فالحب يجعل كل شئ امامنا حياً وهاماً : الحب يجعل الطبيعة في حالة وعي بنفسها .. بل ان الطبيعة تجند نفسها في خدمة الشخص الذي يحب .. كل طائر يغني له .. اشجار الطريق، وعشب الغابة، وازهار الحديقة .. كلها تعرف سره ولا تبوح به.
«وايرنج فروم» يرى في الحب تعبيراً عن الحرية .. فالانسان عندما يحب يشعر بنفسه، يعلم انه ولد بغير اذن منه، وسيموت ضد ارادته، وهذا يجعل الوجود المنعزل للانسان غير ممكن .. يجعله سجناً لا يطاق ولا يحتمل، مع ان الحب قد يطيل ليلك بالسهاد ويطرد عن عينيك لذيذ الرقاد.
والحب كما يقول فولتير هو ظاهرة انسانية لان الحب يعوض الانسان عن كل الصفات الاخرى التي منحت للحيوان .. كالقوة والسرعة .. فالانسان هو الحيوان الوحيد الذي عرف عاطفة اسمها الحب.
ولعله لذلك قال ارسطو «الانسان حيوان سياسي» وكان يعني ان الانسان البشر لا يستطيع ان ينفصل عن الحياة في مجتمع وان احواله لا يمكن ان تتغير في فراغ وبمعزل عن البيئة.
والحب في حقيقته كما يقول البياتي هو عناق بين الزمن والابدي لانه وجود انساني.
* الحب والجغرافيا؟ هل من علاقة؟
نعم .. فكل شئ في الوجود البشري يتأثر بالبعد الزماني والبعد المكاني .. يتأثر بالجغرافيا والتاريخ .. فنحن يا اخي نقيم بشكل ارادي أو غير ارادي .. علاقة حميمة حنينة وحقيقية بالاشياء والامكنة كما نقيمها بالظروف والازمنة.
نعم يمكن للجغرافيا ان تتحول الى مصدر من مصادر الوحي والالهام والابداع والتجلي .. ويمكن «لبرج الحمام» في القاهرة أو «برج البراجنة» في بيروت ان يكون احلى واجمل واخطر من برج ايفل أو برج بيزا .. كما يقول نزار .. حيث تتوارى الخطوط الهندسية العامة.
ومع ان الجمال وارد في الحب إلا ان بعض الدراسات اثبتت ان الرجل لا يحب المرأة الخارقة الجمال .. فالحب لا يعجبه الجمال العام .. ففي كل مجتمع هنالك حالات عديدة مما يمكن ان نسميه «الجمال الرسمي» فنجمة السينما، مثلاً، قد تكون حالة جمال يعترف بها كل الناس .. ولكن قد لا يحبها احد .. والتفسير السوسيولوجي والسايكولوجي لذلك انه عندما يكون هناك اجماع من الناس على الجمال .. عندما يكون الجمال مقرراً وثابتاً فانه يحول المرأة الجميلة الى موضوع فني وانه يعزلها لانه يضعها في مسافة بعيدة من الناس .. فهي تتلقى الاعجاب ولكنها لا تتلقي الحب .. والحب والصداقة معاً هما اهتمام بشخصية .. عكس الجنس الذي هو اهتمام بجسد .. وفي الاثنين معاً، الحب والصداقة انت لا «تمتلك» ولكنك «تنتمي» والاثنان معاً يمثلان علاقة مشاركة لا علاقة سيطرة.
ولقد شهد العالم خلال العقود الخمسة السابقة توسعاً وخلطاً في استعمال مصطلح «الغريزة الجنسية» والمسؤول الاول عن هذا الخلط هو «فرويد» عند تحليله في نظريته عن الغرائز .. الغريزة الجنسية عند فرويد يتسع مدلولها لتشمل المحبة والصداقة .. والحب ايضاً .. والحب غير تعددي، في آن واحد متزامن، ولكن الصادقة يمكن ان تكون تعددية، مع ان بعض العلماء والباحثين يعتقدون ان الرجل «تعددي» في الحب .. ولا يدرون ان هذا يتعارض مع اعتماد الحب على الاختيار .. فهم يقولون ان بعض الاشخاص، خلال حياتهم يحبون اكثر من امرأة .. ولكن الواحد من هؤلاء لو دقق النظر في اختياره وتمعن في حالته لوجد انهن جميعاً، أو معظمهن تكرار لنموذج نسائي واحد.
* ما رأيك بالزواج باكثر من واحدة؟
لا احبذه .. فدائيون يا اخي اولئك الذين يقدمون على هذا العمل.
لقد حلله ديننا الحنيف .. ولكن اسمع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة النساء «فانكحوا ما طالب لكم من النساء مثني وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة» «ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم».
تزوج رجل بامرأة حديثة على امرأة قديمة فكانت خادمة الحديثة تمر على باب القديمة وتقول :
وما يستوي الثوبان ثوب البلي
وثوب بايدي البائعين جديد
وكانت خادمة القديمة تمر على باب الحديثة وتقول :
نقل فؤادك حيث شئت من الهوي
ما الحب إلا للحبيب الاول
كم من منزل في الارض يألفه الفتي
وحنينه ابداً لاول منزل
* ما هو حلم طفولتك الذي لم يتحقق حتى الآن؟
ما اكثر احلام الطفولة يا صديقي .. ولكن .. في الآمال طول وفي الاعمار قصر.
* أي النساء الاكثر توهجاً؟
ذات القلب المملوء حياة وحياء .. وذات العيون التي توحي وتلهم .. تلك التي وصفتها تماضر زوجة عبد الرحمن بن عوف وهي تقترح زوجة لعثمان بن عفان «جميلة الخلق .. اسيلة الخد .. اصيلة الرأي».
* أي القصائد لها وقع خاص في نفسك؟.
تلك التي تنبعث صدقاً وتشع حرارة وضوءاً وترتاد بك ارحب واعلى واغلى الآفاق.
* اين تجد نفسك من حيث هوايات بعينها؟ ولمن تقرأ من الكتاب؟ وآخر ما قرأته؟
الاطلاع والاسكواتش .. هما اهم هواياتي .. الاسكواتش رياضة بدنية والاطلاع رياضة عقلية ..
نعم الانيس اذا خلوت كتاب
تلهو به ان خانك الاحباب
لا مفشياً سراً اذا استودعته
وتفاد منه حكمة وصواب
اقرأ لمنصور وهيكل، وعصمت سيف الدولة في السياسة، وللطيب صالح ويوسف ادريس في القصة .. ونزار قباني في الشعر .. هؤلاء خصوصاً وعموماً اقرأ للكثيرين.
آخر ما قرأت كتاباً بالفرنسية لجاك سوفير بعنوان «المثقفون فوق مقاعد الاسترخاء» .. احاول ان انوع في قراءتي حتى لا يتسرب الى النفس الملل، ويتسلل الى العيون النعاس .. اقرأ في مجالات عديدة وبلغات مختلفة .. اقرأ في السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع .. واقرأ بالعربية والانجليزية والفرنسية .. بهذا تتجول في حديقة عامرة فتقطف وردة هنا وتستنشق عبيراً هناك.
مع تحياتى